هل محكمة العدل الدولية حقا هي اداة دولية لتعزيز السلام في العالم؟ وهل تفضي محاكمة اسرائيل إلى وقف الحرب في غزة؟
تأسيس المحكمة
محكمة العدل الدولية هي هيئة قضائية دولية تاسست بموجب ميثاق الامم المتحدة يطلق عليها ايضا اسم المحكمة العالمية يتمثل دورها في تسوية النزاعات الدولية التي تعرض عليها من طرف الدول، في اطار ما يسمى بالقضايا الخلافية وفقا للقانون الدولي، مع ابداء الراي الاستشاري في المسائل القانونية التي تحيلها عليها اجهزة الامم المتحدة والوكالات الدولية المخولة. مما يعني انها تقدم مساهمة كبيرة في السلم والامن العالميين.
هل يمكن لمحاكمة اسرائيل أمام محكمة العدل الدولية وقف الحرب في غزة؟
عرفت العلاقات الدولية العديد من النزاعات على امتداد العصور وهو ما استدعى التفكير في انشاء اليات من شأنها الفصل في القضايا الخلافية بين الدول تماما كما حدث في محاكمة اسرائيل.
محكمة التحكيم
وقد تبلور ذلك في القرن التاسع عشر عندما جرت المحاولة الاولى لانشاء ما يسمى بمحكمة التحكيم الدائمة خلال مؤتمر لاهاي الاول للسلام عام 1899.
وبعد ثمانية سنوات تم تنقيح المعاهدة التاسيسية لهذه المحكمة خلال مؤتمر لاهاي الثاني للسلام عام 1907 وهي الصيغة التي انشئت بموجبها محكمة التحكيم. ولم تنل المحكمة وضعها الكامل بمثابة هيئة قضائية الا بعد تشكيل عصبة الامم عام 1919 والتي حلت محلها منظمة الامم المتحدة. وكان ذلك نتيجة للدمار والخسائر الكبيرة التي خلفتها الحرب العالمية الاولى
محكمة العدل الدولية
ولكن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تمت مراجعة النظام الاساسي لمحكمة التحكيم الدائمة وانشئت محكمة العدل الدولية خلفا لها في يوم ال 26 من يونيو من عام 1945 وذلك بموجب ميثاق الامم المتحدة. كانت اولى جلساتها الافتتاحية في ابريل عام 1946.
مقر المحكمة
يقع مقر محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية وهي الجهاز الوحيد بين ستة اجهزة رئيسية تابعة للامم المتحدة يوجد خارج مدينة نيويورك الامريكية. وتوجد المحكمة في مبنى يطلق عليه اسم قصر السلام وتمتلك المحكمة موقعا على شبكة الانترنت تتوفر فيه جميع المحتويات المتعلقة باشغالها باللغتين الرسميتين الانجليزية والفرنسية.
قضاة محكمة العدل الدولية
تتالف محكمة العدل الدولية من 15 قاضيا مرشحين من قبل بلدانهم ثم ينتخبون من طرف الجمعية العامة ومجلس الامن التابعين لمنظمة الامم المتحدة لمدة تسع سنوات للولاية. وتجري انتخابات كل ثلاث سنوات على ثلث المقاعد اذ تنتهي ولاية خمسة قضاة خلال الاعوام الثلاثة الاولى من الولاية. وخمسة اخرون في نهاية السنوات الست من الولاية مع امكانية اعادة انتخابهم. وكل قاض ينتمي الزاما الى بلد مختلف.
اذ يشغل ثلاث مقاعد قضاة افارقة بينما يخصص مقعدان لقضاة من امريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي وثلاث مقاعد يشغلها قضاة اسيويين وخمس مقاعد من نصيب قضاة غربيين ومقعدين لقاضيين ينتميان الى منطقة اوروبا الشرقية. وتتضمن المحكمة دائما قاضيا من كل دولة من الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن وهي:
- الولايات المتحدة
- بريطانيا
- فرنسا
- روسيا
- الصين
رفع الدعاوي
يمكن لاي دولة عضو ان ترفع دعوى ضد اي دولة عضو اخرى سواء كانت في صراع مباشر ام لا عندما تكون المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي على المحك.
في قضية غامبيا ضد ميانمار على سبيل المثال لم تكن جامبيا معنية بشكل مباشر بمزاعم الابادة الجماعية الموجهة ضد ميانمار لكن هذا لم يمنعها من رفع الدعوى نيابة عن منظمة التعاون الاسلامي.
اقرب مثال كذلك هو محاكمة اسرائيل عن طريق دعوى جنوب افريقيا بشان انتهاكات اسرائيل في غزة.
الإلتزام بالحكم
تعد احكام محكمة العدل الدولية نهائية وليست هناك اي امكانية للاستئناف والامر متروك للدول المعنية لتطبيق قرارات المحكمة في ولاياتها القضائية الوطنية، وفي معظم الحالات تحترم التزاماتها بموجب القانون الدولي وتمتثل اليها.
واذا فشلت دولة ما في اداء الالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب حكم ما فان الحل الوحيد المتبقي هو اللجوء الى مجلس الامن والذي يمكنه التصويت على قرار وفقا لميثاق الامم المتحدة.
حدث هذا في قضية رفعتها نيكاراجو ضد الولايات المتحدة الامريكية عام 1984 للمطالبة بتعويضات عن الدعم الامريكي لمتمردي الكونترا. وحكمت محكمة العدل الدولية لصالح نكاراجو لكن الولايات المتحدة رفضت قبول النتيجة ثم رفعت نيكاراجو الامر الى مجلس الامن حيث استخدمت الولايات المتحدة حق النقد الفيتو ضد القرار ذي الصلة.
دعوى جنوب افريقيا
بعد ثلاث اشهر من الابادة الجماعية التي تنفذها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، جنوب افريقيا هي الدولة الوحيدة اللي كسرت الصمت الدولي المخزي وقدمت ملفاً من 844 صفحة للمحمة الدولية في لاهاي. طلب محاكمة اسرائيل الذي قدمته جنوب افريقيا ضد اسرائيل اتهمتها فيه بارتكاب جرائم حرب واباده جماعية في غزة. ولأن اسرائيل موقعة على ميثاق الامم المتحدة فهي ملزمة بالمثول امامها.
صحيفة معاريف لخصت الدعوى اللي قدمتها جنوب افريقيا كالتالي: يستند ادعاء جنوب افريقيا الى مجموعتين من الادلة:
القتل والدمار: المجموعة الأولى هي حقائق تتعلق بابعاد القتل والدمار في غزة وملائمة بعضها مع عنوان الابادة الجماعية على سبيل المثال الصعوبات التي تواجهها النساء الحوامل في غزة مفصلة تحت عنوان فرض اجراءات تهدف الى منع الولادات الفلسطينية.
تصريحات صناع القرار: مجموعة الأدلة الأخرى هي اقتباسات من تصريحات في اسرائيل لكبار صناع القرار مرورا بالضباط والجنود وصولا الى القناة ال 14 بمقدميها وضيوف اجريت معهم مقابلات هدفها اثبات نية الهدم والطرد ومحو غزة دون التمييز بين مقاتلي حماس والنساء والاطفال وغير المتورطين.
هذه التصريحات مهمة لانه في النقاش القانوني حول الابادة اللي هي اعلى درجات الجرائم ضد الانسانية يجب أن يكون هناك اثبات للنية وهنا تأتي اهمية التوثيق والتركيز على هذه التصريحات والإقتباسات.
محاكمة اسرائيل 2004
بالطبع هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها محاكمة اسرائيل في محكمة العدل الدولية، في عام 2004 قدمت الامم المتحدة دعوى ضدها في موضوع جدار الفصل العنصري. أعطت المحكمة وقتها رأيا استشاريا للامم المتحدة بعدم قانونية الجدار. لم تستجب اسرائيل إلى القرار ما دفع المنظمات الحقوقية إلى مطالبة المحكمة الاسرائيلية العليا باصدار حكم بعدم قانونية الجدار تماشيا مع الراي الاستشاري للمحكمة الدولية.
لتتفاجئ المحكمة الدولية بقرار رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية الذي يفيد بقانونية جدار الفصل العنصري. رئيس المحكمة كان القاضي اهارون براك، وهو نفس القاضي الذي سيمثل اسرائيل في محكمة العدل الدولية أمام دعوى جنوب أفريقيا.
قضاة المحكمة
يحق لاسرائيل وجنوب افريقيا أن يعينوا قضاة من طرفهم الى جانب القضاة ال 15 الدائمين. حيث أن لكل طرف في النزاع الحق في تعيين قاضي نيابة عنه. اسرائيل قررت تعيين البروفيسور اهارون براك الرئيس السابق للمحكمة العليا ليكون القاضي السادس عشر في قضية محاكمة اسرائيل، والقاضي السابع عشر سيكون من طرف جنوب افريقيا. وبقية القضاة هم ممثلين عن الدول التالية:
- امريكا
- فرنسا
- سلوفاكيا
- روسيا
- الصين
- اوغندا
- جمايكا
- اليابان
- المانيا
- استراليا
- البرازيل
- الهند
ومن الدول العربية
- الصومال: القاضي عبد القوي احمد يوسف
- لبنان: القاضي نواف سلام
- المغرب: القاضي محمد بنونة
قاضٍ يغضب اليمين الإسرائيلي
شعر اليمين الإسرائيلي بالغضب بسبب اختيار نتنياهو للقاضي اهرون براك للحضور في محاكمة اسرائيل في محكمة لاهاي لانه يعتبر من اشد المعارضين للانقلاب القضائي لنتنياهو، وكان يدعو لاستمرار المظاهرات ضده. حيث قاد نتنياهو واليمنيين حمله تحريض شرسه عليه قبل الحرب. لكن نتنياهو فضل اختياره لأنه صاحب سمعة جيدة في الدول الغربية على عكس الأحزاب اليمينية المعروفة بتطرفها.
اما المحامي الذي اختارت اسرائيل أن يترافع عنها هو المحامي البريطاني والبروفيسور في القانون الدولي مالكوم شو صاحب السمعة العالمية الكبيرة في مجال حقوق الانسان.
بالطبع اسرائيل لن تلتزم بقرار المحكمة الدولية بوقف إطلاق النار حتى ولو صدر حكم قضائي بذلك. ولن تستطيع المحكمة الزامها عن طريق مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي، لكن مجرد ان تقوم المحكمة بمحاكمة اسرائيل وإصدار قرار بوقف اطلاق النار تراه اسرائيل خطراً كبيرا.
تمويل المحكمة
تتلقى محكمة العدل الدولية باعتبارها جزءا من منظمة الامم المتحدة تمويلها من عدة مصادر منها:
الامم المتحدة: حيث تعتبر المحكمة جزءا من الامم المتحدة ولذلك تحصل على جزء من تمويلها من ميزانية الامم المتحدة وتنص المادة الثالثة والثلاثين من النظام الاساسي للمحكمة على ان تتحمل الامم المتحدة مصروفات المحكمة على الوجه الذي تقرره الجمعية العامة.
اشتراكات سنوية: تتلقى المحكمة اشتراك من الدول الاعضاء حيث تلتزم الدول الاعضاء بدفع اشتراكات سنويه لدعم انشطة المحكمة وميزانيتها،
التبرعات: بالاضافة الى التبرعات حيث تقبل المحكمة تبرعات من الدول والكيانات والتجمعات الدولية لتمويل انشطتها.
الرسوم: كما انها تحصل على رسوم مقدمة من الدول المتخاصمة عندما ترفع دولة ما دعوى امام المحكمة يجب عليها دفع رسوم مقدمة وهذه الرسوم تسهم في تمويل المحكمة.
المصدر: مسقط برس
