في ذكرى النكبة … عقود من الذل والاستسلام والخضوع لليهود الصهاينة

Nakba 1

ماذا نستطيع تسمية هذا الزمن الذي يصول ويجول فيه الصهاينة في الوطن العربي كيفما يشاؤون؟ هل يمكن وصفه بزمن الخيانة؟ أم نقول بأنها حالة انحطاط خانقة للفضاء الفلسطيني، وتفرض حكمها على البلدان العربية؟ وما الرابط بين الانحطاط والخيانة؟ هل وصول المجتمعات العربية إلى أسفل السافلين هو الخيانة، أم إن الخيانة أدت بهم إلى هذا الأسفل الانحطاطي الذي يسيطر على المجتمع العربي؟

فللأسف تاريخ خيانة فلسطين لم يبدأ منذ اليوم بل إن القضية الفلسطينية كقضية عربية، ولدت في رحم الخيانات والإذلال حتى من قبل النكبة.

تاريخ اليهود ما قبل النكبة:

إن من الحقائق التاريخية المهمة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في هذا الشأن أن اليهود الذين أخذوا على عاتقهم مشروع إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين لم يكونوا حينها سوى قلة قليلة وكانوا من اليهود العلمانيين، الذين كان العديد منهم مستعد للدخول إلى المسيحية لضمان حياة أفضل وتحسين أوضاعهم المعيشية المهنية أو الاجتماعية في المجتمع الأوروبي شديد العنصرية ضد اليهود بل وشديد العداء لهم.


أما الغالبية العظمى منهم فكانوا معارضين لفكرة الصهيونية إما خوفا من أن تكون مؤامرة للقضاء على الوجود اليهودي في أوروبا بهدف وإما لأنهم وبسبب العقيدة الدينية المتوارثة عندهم كانوا يعتقدون أن هجرتهم الجماعية إلى أرض الميعاد قبل ظهور المخلص الذي هو المسيح المنتظر تعتبر تحديا ومخالفة لإرادة الله الذي حكم على اليهود بأن يبقوا مندثرين مشتتين إلى أن يظهر مخلصهم الذي من خلاله ستتم عودتهم إلى أرض الميعاد في فلسطين.

أسباب حدوث النكبة:

لم يكن تشكيل الكيان الإسرائيلي ليتحقق في فلسطين في عام النكبة 1948 لولا الدور العربي الذي لعبه قادة الدول العربية الحديثة.

وبالرغم من المعارضة الشرسة من قبل الشعوب العربية والتي لا تقل عن معارضة الفلسطينيين أنفسهم لقيام هذا الكيان الغاشم في فلسطين العربية المسلمة، إلا أن القادة العرب المهيمنين على هذه الشعوب والحاكمين عليهم بالنار والحديد، مارسوا ضد كل من عارضهم البطش والتنكيل،

حيث قاموا بدور الحارس الأمين لليهود الصهاينة الذين ذهبوا يمكنون لكيانهم ويوسعون استيطانهم، ووقفوا متفرجين مكتوفي الأيدي بينما كان الفلسطينيون العزل يتعرضون للذبح والاضطهاد والتعذيب والتهجير من منازلهم طالبين يد العون من إخوتهم العرب ولكن لا حياة لمن تنادي، ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، ظلت هذه الأنظمة نفسها تزيد من تقييد شعوبها وتزيد الخناق والحصار على الشعب الفلسطيني.

النكبة

حيث أننا لوعدنا إلى حرب النكبة، فإننا سنجد دليلين متداخلين:

الأول سعي الأنظمة العربية للحفاظ على وجودها، وهذا السعي الذي حكم خيانتها وخضوعها للمستعمر الإنجليزي، ومحاولة بعضها توسيع سيطرة نفوذه وسلطته على حساب فلسطين و الشعب الفلسطيني، السبب الذي قاد المنطقة إلى هزيمة نكراء للجيوش العربية، في حرب النكبة.

كما أن المقاومة الوطنية الفلسطينية لم تستطع النجاح في مواجهة المؤامرة المخططة لها، بل وقعت ضحية للسياسة الإنجليزية التي وضعت نصب أعينها تنفيذ وعد بلفور القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، حارمة فلسطين وحدها من البنى الدولتية من بين كل دول الوطن العربي الخاضعة لنظام الانتداب، وأيضا من الإطار الذي يتيح للفلسطينيين بتشكيل كيانهم السياسي.

أما بعد نهاية حرب النكبة، فقد تكفلت الأنظمة العربية جمعاء بتشتيت وتفتيت الفلسطينيين جاعلتا منهم شعبا لاجئا يعيش في منازل مقفلة تدعى مخيمات.

 إن أخطر نتائج النكبة وتبعاتها على أرض الواقع هو سيطرة الكيان الصهيوني على ما يقارب 78 بالمئة من الأراضي الفلسطينية مما يعني تجاوز قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 إضافة إلى اقتلاع وتهجير سكان الأرض الأصليين حيث غادر فلسطين أثناء الحرب وبعدها قرابة 940 ألف لاجئ وترتب على ذلك صدور القرار رقم 194 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والمتضمن:


“وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات أولئك الذين تضرروا من التهجير وعن كل مفقود أو مصاب بأذى” ولكن كل هذه القرارات الأممية المتعددة تلاشت واختفت ومات الكثير من الذين انتظروا عودتهم إلى ديارهم في فلسطين، وولد جيل جديد في الملاجئ يتطلع إلى العودة لكنه لا يعلم الاتجاه الذي سيوصله إلى دياره ديار الآباء والأجداد.


وما يزال الفلسطينيون يعيشون أبشع أنواع النكبات والمآسي والاضطهاد والتهجير والقمع والقتل وضم الأراضي بالقوة من قبل قطعان المستوطنين وجيش الصهاينة أمام أنظار العرب المسلمين والجامعة العربية المختبئة في حفرة الذل والفشل والانحطاط منذ تشكيلها، كما أنه ليس من الغريب أبدا اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل التي تقوم بعقد اتفاقيات ثنائية مع الدول العربية المفتتة والمتناحرة فيما بينها.

فمنذ اتفاق «كامب ديفيد» في عام 1978 بين مصر وإسرائيل بوساطة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر تتلقى فلسطين طعنات الغدر المتمثلة بالتطبيع العلني أو حتى الخفي من قبل أشقائها الحكام العرب الذين وضعهم المستعمر الغربي يستخدمون القضية الفلسطينية لامتصاص غضب وامتعاض الجماهير العربية ولم يكونوا جادين في مواجهتهم لقطعان الصهاينة بل كانوا مجرد أدوات لتنفيذ أوامر رؤسائهم في الدول الغربية وعلى رأسهم بريطانيا وأمريكا،


حيث نرى أن قرارات الجامعة العربية كانت دائما غير متناسبة بأي شكل من الأشكال مع الأحداث الجارية في فلسطين وحتى قرار الحكام العرب في إرسال جيوشهم إلى فلسطين ما كان إلا مجرد تمثيلية من إخراج الحكومتين البريطانية والأمريكية لتغطية مؤامراتهم وخططهم الشيطانية المتمثلة في زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي وبسط سيطرتهم على الدول العربية وعلى منابع نفطها وإنشاء قاعدة متقدمة للإمبريالية وسيف مسلط على رقاب الشعوب العربية.

في ذكرى النكبة نستذكر خيانة رؤوس أنظمة الظلم والاستبداد العربية لتمكين الصهاينة من فلسطين:

لقد كانت الخيانة العربية للقضية الفلسطينية واضحة للعيان منذ بداية النكبة حيث كان الجيش الأردني يتحرك بإمرة قائده البريطاني الجنرال “غلوب باشا” وبريطانيا هي التي من قامت بتسليم فلسطين لليهود،

وسرعان ما أصبح الجنرال غلوب باشا قائدا للجيوش العربية بضغط من بريطانيا على العرب مما أجبر الحكام العرب على الانصياع لأوامره والخضوع لسلطته، وكان الملك عبدالله ملك الأردن يغتنم الفرصة دائما وأبدا للحفاظ على سلطته وملكه حيث كان دائما ما يقوم بإجراء اتصالاته مع “حاييم وايزمان” ثاني أشهر شخصية بعد “تيودور هرتزل” الذي كان له الدور الأساسي في صدور وعد بلفور سنة 1917.

The great Arab betrayal
الخيانة العربية الكبرى

كما قام الملك عبد الله بتسليم مدينتي اللد والرملة للصهاينة دون قتال حتى نال جلالته ثقة الصهاينة عندما أمر القوات العربية التي وصلت إلى تخوم تل أبيب بالانسحاب إلى الوراء والعودة إلى مراكزها متيحا الفرصة لجيش العدو بتنظيم صفوفهم وجلب الأسلحة والمعدات لهزيمة القوات العربية.

كما كانت حرب النكبة من أهم أسباب سخط وغضب الشعوب العربية بسبب الجريمة الفادحة التي قام بارتكابها النظام المصري والذي كان على رأسه الملك فاروق حينما قام بإرسال قوات الجيش المصري إلى المعركة بسلاح فاسد ومن دون ذخيرة ليتلقى هزيمة نكراء أمام جيش الصهاينة.

ففي مؤتمر الخرطوم عام 1967 تم الإعلان عن مبدأ: «لا صلح لا اعتراف لا تفاوض» مع إسرائيل حيث كانت هذه الكلمات لا تعبر عن إرادة عربية حقيقية جماعية بل لم تكن مستعملة إلا من أجل الاستهلاك السياسي لخداع الشعوب العربية وتخديرها إلى أن وصلنا إلى مؤتمر القمة المنعقد في الرباط سنة 1971 فكانت نقطة تحول جذرية خطيرة على القضية الفلسطينية والتي يمكن اعتبارها بداية النكبة السياسية التي وصلت بها إلى أسفل منحدر التنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة،


ففي هذا المؤتمر تم الإعلان عن تراجع سياسي خطير في تاريخ القضية والذي يكمن في اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بدلا من اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعا.

والذي كان يهدف إلى تحريرها من جذورها وأبعادها العربية واعتبارها قضية الفلسطينيين وحدهم ليتحول الصراع من صراع عربي–إسرائيلي إلى صراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، وكأن العرب لا شأن لهم بفلسطين والقضية الفلسطينية أي تماما كما حصل في يوم النكبة،

فكانت “غولدا مائير” تعرف حق المعرفة أن العرب ليسوا إلا متفرقين مشتتين لا يجتمعوا على شيء ولا يقدرون على فعل شيء فقالت في عام 1967: “عندما أحرقت القدس لم أنم طوال الليل كنت أعتقد أن العرب سينزحون إلى إسرائيل من المحيط إلى الخليج لرمينا في البحر وفي الصباح لم يقع أي شيء فتأكدت حينئذ أن العرب نائمون لا يستطيعون فعل شيء”.

فمنذ النكبة وفلسطين تقع في مكانين:

سجون الاحتلال حيث يحمل الأسرى الشرف الفلسطيني في أرواحهم وأجسادهم، فقد أصبحت قصة صمود ماهر الأخرس حين صام مئة يوم، برهانا على أن الحق يستطيع النصر للحقيقة الفلسطينية.

كما أنها تقع أيضا في ضمير الفقراء الذين يناضلون من أجل الكرامة والحفاظ على الأرض التي امتزج ترابها بدماء الشهداء.

وفي  ظل الحصار الشامل على فلسطين اليوم والعربدة الإسرائيلية والتخلي العربي الصريح، تجد نفسها أمام خيار مَن لا خيار له، فالاستسلام ليس متاحا لأن إسرائيل هي من رفضته حين أسقطت أوسلو، وستستمر برفضه بسبب دفء الخيانة العربية، إلا إذا كان له معنى واحد، وهو اندثار فلسطين نهائيا وتحولها إلى مستعمرة تدور في فلك الأبارتايد الإسرائيلي.

مصدر: مسقط برس + ويكيبيديا

→ السابق

رئيس هيئة الأركان الكوري يزور متحف قوات السلطان المسلحة

التالي ←

الانتخابات التركية… الناخبون الأتراك يتوجهون إلى صناديق الاقتراع

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة