التعايش بين الغرب والشرق – أوروبا نحو التطرف الفكري

التعايش بين الغرب والشرق

حتى وقت قريب، كانت أوروبا تُعتبر الملجأ الأخير للهاربين من الحروب أو الاضطهادات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالحريات الشخصية، وهذا ينطبق على الشباب في الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم. ومع ذلك، اليوم يبدو أن التعايش بين الغرب والشرق أصبح على المحك. حيث أصبح المهاجرون يعانون من عدم الأمان، حيث يشعرون بأن وظائفهم وسكنهم ووجودهم بأكملهم معرضون للتهديد، ويمكن أن يفقدوا كل ذلك بسهولة، أو يتغير حياتهم بشكل جذري فقط بسبب التعبير عن آرائهم بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو عرض رموز تعبيرية تعبِّر عن تعاطفهم مع الفلسطينيين، مثل ارتداء الكوفية الفلسطينية أو رفع العلم الفلسطيني.

الحرب الإسرائيلية على غزة

هناك تزايد في التطرف الفكري يهدد التعايش بين الغرب والشرق، ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، شهدنا ازديادًا في مستويات الانقسام السياسي بشكل لا سابق له، وبات مناهضة إسرائيل (وتحديداً ليس السامية) ذنبًا لا يُغتفر. حتى فكرة السياقية أصبحت مرفوضة، أي أن محاولة شرح أفعال حماس على أنها رد فعل على سنوات من الإرهاب والظلم والحصار المفروض على غزة، لم تعد مقبولة.

الارهاب الصهيوني الامريكي

تقييدات كبيرة تمارس على حق التظاهر، إذ يتعين الآن الحصول على تصريح للمشاركة في المظاهرات، وتلك التصاريح غالبًا لا تُمنح إذا كانت المظاهرة تعبِّر عن دعم الشعب الفلسطيني. كل هذا يمكن أن يؤدي إلى تصاعد الغضب الشعبي إذا لم يُسمح للناس بالتعبير عن غضبهم بطرق شرعية، سواء من خلال التظاهرات أو وسائل التواصل الاجتماعي.

نهاية التعايش بين الغرب والشرق

يثير قلقي الآن أن فكرة التعايش بين الغرب والشرق قد انتهت أو حتى لم تكن موجودة بالفعل كما نعتقد، وأن التمييز الذي كان يُخفى وراء أقنعة البيروقراطية أو الخيارات الفردية أو معادلات العرض والطلب، بات ظاهرًا دون خجل. معاداة المهاجرين الذين ليسوا من أصول أوروبية كانت حاضرة دائمًا، ولكن مستشار ألمانيا الحالي دعا إلى إعادة النظر في سياسات الهجرة وتهديد بالترحيل السريع. من الواضح أن المتضررين الرئيسيين من هذا هم أولئك الذين ليس لديهم جواز ألماني يحميهم ويفتقرون إلى الحماية القانونية والاجتماعية.

في وسائل الإعلام الألمانية، عند الحديث عن المجازر في غزة، يتم دائمًا الإشارة إلى أن الأخبار تأتي من حماس للتشكيك في مصداقيتها. لا تقرأ أن الغارات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل أكثر من خمسة آلاف فلسطيني حتى الآن، بل يُقال إما أن حماس “تزعم” ذلك أو يُقال إن المستشفى الذي “يديره حماس” تم استهدافه. اللغة المباشرة في انتقاد أعمال إسرائيل تُعتبر عادة جريمة لا تُغتفر.

معاداة السامية ومعاداة الإستيطان

ما لا يدركه الغرب في قضية معاداة السامية هو أن لغة الاعتراض العربية لا تتطابق مع اللغة الغربية بأي شكل. عندما يقول العربي (أو من الشرق بصفة عامة) “اليهود”، فإنه يشير إلى من استوطن أرضه، ولا يكون لديه عداء طبيعي لليهود كجماعة دينية بل كمستوطنين لأرضه. هذا النوع من العداء ليس له علاقة بديانتهم كيهود أو بجنسيتهم، بل بكونهم مستوطنين على أراضيه. لذا، تكون الاستجابة المغايرة في الغرب تمامًا عندما يتحدث شخص من فلسطين على سبيل المثال.

المستوطنات الاسرائيلية

الحديث عن التعايش بين الغرب والشرق مسألة رئيسية اليوم، ويتم مناقشة مفهوم محور الشر والحضارة، الذي يقوده العالم الحر والمتحضر. بينما كان الأكاديميون في الغرب والشرق يدرسون مسائل ما بعد الاستعمار لفترة طويلة ويبحثون في تأثيرات الاستعمار والتمييز الخفي (الاقتصادي والثقافي) والعنصرية الضمنية، نجد أنفسنا الآن في مرحلة عكسية، حيث يتم تعزيز فكرة العلوية والعرقية بشكل أكبر. الهويات تتغير وكيفية تعريفنا لأنفسنا تتحول. الحديث عن المواطن العالمي أو الإنسان المنتمي للإنسانية بأكملها لم يعد له مكان في العالم الواقعي.

اليسار واليمين

تعريفنا لليسار واليمين يصبح معقدًا ومشكلًا، ويصعب تمييز الكفاءات بينهما. فالكوفية التي ارتبطت في ألمانيا باليسار خلال الستينيات، أصبحت اليوم رمزًا لليمين المتطرف. حتى نحن الذين نعتبر أنفسنا جزءًا من اليسار، نجد صعوبة في إيجاد أقران يساريين غربيين يتفقون معنا في هذا السياق. وهذا يعلى على مدى التعقيد الناجم عن انقسام الآراء حول قضايا عدالة المجتمع وحقوق الفقراء وحقوق المهمشين، وحق الأفراد في تحديد مستقبلهم، مقابل محاربة الخصخصة والمعارضة للسوق الحرة في تشكيل المجتمع.

مفهوم التعايش مهدد اليوم بالانهيار. تقود القهقرة الناس إلى التركيز على هوياتهم الجغرافية الأصلية وتجردهم من تعقيد الهوية المتعددة. المهاجر الذي يعتقد أنه متعدد الجوانب يجد نفسه اليوم مضطرًا للانخراط في الصف الواحد والوقوف ضد الآخرين في ظل التصاعد والتقلص في المجالات الرمادية.

المصدر: مسقط برس

→ السابق

كتائب القسام تؤكد استهداف مروحية اسرائيلية جنوب قطاع غزة

التالي ←

اجتياح جنين – الجيش الاسرائيلي يبدأ الإقتحام البري لغزة

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة