درس فيتنام – قراءة تاريخية تبين أهمية الحرب في غزة

درس فيتنام

لابد ان الغزاويين طالعوا درس فيتنام وحفظوه جيدا، والدليل انهم طبقوا كثيرا منه. وما بين الحربين كثير من التقاطعات منها الانفاق ورفض الاستسلام والقتال حتى اخر رمق. وهنا قصه الحرب التي مرغت انوف الامريكيين بتراب الادغال في فيتنام وحطمت اسطوره الجيش الامريكي الذي لا يهزم، وكبدت ابناء العم سام خسائر لم يكن يتخيلها احد.

جذور الحرب

الكثيرين تعلموا من درس فيتنام لكن ما لا يعرفه كثيرون هو ان الفيتناميين لم ينتصروا فقط على قوة عظمى واحدة، بل على ثلاث وهنا نحن سناتي بالتفاصيل. فقبل ان تبدا الحرب الامريكية في فيتنام كانت تلك المنطقه والمعروفه باسم الهند الصينيه ترزخ تحت نير الاحتلال الفرنسي منذ القرن التاسع عشر، وظل فيها الفرنسيون طويلا حتى جاءت ثلاثينيات القرن العشرين. حين قرر اليابانيون شن هجوم كاس على قاره اسيا فاحتلوها ايضا، وبات في مناطق شرق اسيا الجنوبيه او ما تعرف بالهند الصينيه قوتان استعماريتان فرنسية ويابانية.

معاناة الفيتناميين

اليابانيون والفرنسيون لم يقتتلوا فيما بينهم بحكم ان الحرب العالميه الثانيه كانت قد اندلعت وكان هنالك ما هو اهم، اي قتال الالمان. لكن بعد ان وضعت الحرب الكونيه اوزارها عام 1945 انسحب اليابانيون المهزومون من المنطقه فيما ظل الفرنسيون المنهكون والخارجون من الاحتلال الالماني.

هوتشي مين

ومن الدول التي ظل بها الفرنسيون كانت فيتنام التي ولد بها زعيم ثوري بافكار شيوعيه على غرار ماو في الصين وقبله لينين في روسيا ويدعى هوتشي مين واحفظوا هذا الاسم جيدا.

الأسرى الفيتناميين

وتشي هذا كان يريد تحرير بلاده من الفرنسيين واعلان قيام دولة شيوعية، لكن اليابانيين قبل ان ينسحبوا من البلاد كانوا قد تركوا في السلطة امبراطورا يدعى باو داي وكانت باريس راضية عنه لكونه يحمل ثقافة فرنسية. وعلى هذا تحرك تشي ومن معه من شيوعيين لمحاولة السيطرة على الحكم، فسيطر على مدينه هانوي في شمال فيتنام واتخذ منها عاصمه له. في حين ظل الامبراطور في مدينه سايجون في الجنوب والتي كانت عاصمة له.

انقسام فيتنام

وبهذا تكون فيتنام قد انقسمت بين دوله في الشمال فيها شيوعيون موالون للاتحاد السوفييتي والصين ويقودهم الزعيم هوتشي منه. ودولة اخرى في الجنوب مواليه للغرب يقودها الامبراطور. وما كان متبق هو فقط الاعلان عن هذا الانقسام والذي جاء فعلا بعد هجوم كاسح للشيوعيين في الشمال على القوات الفرنسية ما اضطر الفرنسيين فيما بعد للانسحاب من البلاد عام 1954. فهم ادركوا ان فيتنام باتت مستنقعا ولا يمكنهم النجاة منه. لكن هناك من هو في الغرب لم تصله الرسالة.

دخول امريكا على الخط

عقب انسحاب الفرنسيين من فيتنام كانت مساله السيطره عليها من قبل الشيوعيين فقط مجرد وقت. لكن كان في الغرب من يعتقد ان تحول فيتنام الى الشيوعيه قد يزيد من عدد الدول المواليه للسوفييت في اسيا والعالم. والحديث عن امريكا التي كانت منتشيه بنصرها في الحرب العالميه الثانيه وتصنيفها على انها القوه الاكبر في العالم والجيش الذي لا يمكن دحره، سيما وانها كانت قبل هذه الحرب قد اجهضت احلام الشيوعيين في كوريا بالسيطره التامه على شبه الجزيرة الكورية. لذا قالت للفرنسيين انتم عودوا الى منازلكم ودعونا نحن من يتولى الامر.

ولم تكن أمريكا وقتها تعلمت درس فيتنام حيث قامت بالدخول لفيتنام الجنوبيه التي كانت تحب الغرب واول ما فعلته هو اطاحت بالامبراطور المتروك من زمن اليابانيين والفرنسيين واوصلت للسلطة في سايجون جنرالا موال لها حتى النخاع اسمه نجودين هديام وقالت حي على العمل، وبدات بارسال مستشارين عسكريين لسيجون قدر عددهم بالمئات انذاك وبدات بتدريب الجيش الجنوبي على استخدام الاسلحه الحديثه. لكن وامريكا تعمل في الجنوب وتخطط كانت موسكو وبكين تعملان في الشمال وتخططان، بل قرروا اي الشيوعيون نقل المعركة الى جنوب فيتنام لاسقاط الحكم الموالي لامريكا هناك.

وفعلا عقب سنتين من دخول الامريكيين وصل عدد الشيوعيين في الجنوب الى 100 الف جميعهم كانوا مقاتلين. وكان الامريكيون يسمونهم الفيت كونج اي الفيتناميون المقاتلون واليكم ما جرى.

حكومة الجنوب

بدات حكومه سايجون الجنوبيه بقمع هؤلاء الشيوعيين بل والتنكيل بهم، فرد هؤلاء الشيوعيون بهجمات على الحكومة الجنوبية ثم تاسس ما يعرف بجبهة التحرير الوطنية والتي ضمت الفيت كونغ وجميع المعارضين للغرب في الجنوب. وبدأت شبه حرب اهليه في الجنوب. لكنها لم تكن حربا شاملة بل عبارة عن هجمات متفرقة بين الطرفين. وجبهة التحرير فيها كانت مدعومه من شمال فيتنام في حين الحكومة الجنوبية كانت مدعومه بالامريكيين وخبرائهم ومقاتليهم.

وحتى تلك الفتره اي الخمسينيات كان يقف على راس الحكم في امريكا الرئيس دوايت ايزنهاور الذي حكم ما بين العامين 1953 حتى 1961. وايزنهاور كان التزامه دعم الجنوب ولم يعلن الحرب بشكل رسمي. ليخلفه في السلطة رئيس شاب في امريكا يدعى جوزيف كندي عام 1961. وهذا الرئيس الذي يقول انصاره انه الوحيد الذي لم تحارب امريكا في عهده كان هو من وقع مع الفيتناميين الجنوبيين اتفاقيه صداقه تسمح للامريكيين بالتدخل عسكريا هناك. لكن في عهده لم يحدث هذا حيث لم يمكث في الحكم طويلا.

ضحايا فيتنام

وفي العام الذي اغتل فيه كيندي اي عام 1963 كان الجنوب الفيتنامي قد تزعزع بالكامل بعد مقتل الجنرال الحاكم هناك، ووصول جنرالات جدد للسلطة. فراى الشيوعيون بهذه فرصة للاطاحة بحكم الجنوبيين. لكن الرئيس الذي خلف كيندي في البيت الابيض اي ليندن جونسون كان قد استبق الجميع باعلان الحرب في فيتنام بدء من العام 1964. متذرعا بهجوم نفذته جبه التحرير على سفن حربية امريكية.

الجحيم ودرس فيتنام

بدأت امريكا حربها على الفيتناميين بداية عبر قصف جوي لمواقع الدعم في الشمال لكنها لم تثني الشماليين عن دعم الشيوعيين في الجنوب. ما اضطر الرئيس الامريكي لارسال قوة امريكية للقتال على الارض وصل عددهم عام 1965 الى 200 الف مقاتل وهنا بدات ما يوصف بالتاريخ الامريكي فتح ابواب جهنم وبدأ الأمريكيون يعون ، ما اجبر الامريكيين على رفع عدد الجنود لاحقا حيث وصل تعدادهم في عام 1968 الى اكثر من نصف مليون، بالاضافه الى قوات داعمة من استراليا والفلبين ودول اخرى حليفة لواشنطن جميعهم تكدسوا في فيتنام الجنوبية. في حين فتح الاتحاد السوفيتي والصين دعمهم على اخره للفيتناميين الشماليين والذين بدورهم بداوا بارسال المقاتلين للجنوب ودعم الثوار الموالين لهم هناك.

حرب عصابات

وهنا شهد العالم ما يعرف بأنه اقوى حرب عصابات في التاريخ تحولت نتيجتها إلى ما يعرف بدرس فيتنام. حيث كان الثوار الفيتناميون يخرجون للامريكيين من تحت الارض يضربونهم ويختفون في الادغال وتلاحقهم الطائرات الامريكيه وتحرق الادغال كاملة بمن فيها. بل ان الامريكيين لم يتركوا قذيفه او صاروخا او غازا ساما او حتى قنابل جرثومية الا وضربوا بها الثوار الفيتناميين. هذا فضلا عن ضربهم لطرق الدعم والامداد لهم والتي طالت حتى دولاً مجاورة لفيتنام مثل لاوس وكمبوديا. ووصل القصف الامريكي حدود الصين كانت حالة من الهيستيريا اصابت الامريكيين من اين يخرج لنا هؤلاء ولماذا لا يموتون وما بين العامين 1965 و 1968 كان الجحيم حرفيا في فيتنام. وتوابيت الجثث الامريكيه بدات بالتقاطر على الولايات المتحدة. حيث حتى العام 1967 كان عدد قتلى الامريكيين اكثر.

اقرأ ايضاً
أشكال جرائم الحرب الإسرائيلية في عملية طوفان الأقصى

مشاهد كانت قد ارعبت الامريكيين الذين وجدوا انفسهم بورطه فكيف الخلاص، راحوا يفكرون. كان الحل بالنسبه للامريكيين حتى ذلك الحين يتمثل بالمزيد من القوه ومزيد من القتل والتنكيل. بل ان مشاهد خرجت من فيتنام لاحقا وضحت ما فعله الامريكيون. فقرىً فيتناميه باكملها ابيدت على الرغم من كون ساكنيها كانوا من المدنيين. لكن بمقابل كل عمليات الترويع كان الرد الفيتنامي مزيدا من المقاومة والصمود. حتى ان الفيتناميين الثوار قرروا توجيه ما عرف بالضربة القاضية للامريكيين في فيتنام.

هجوم الانفاق

مطلع عام 1968 كان الفيتناميون الشماليون قد حضروا مفاجاه للامريكيين في العام الجديد وهو ما كان يصادف العام القمرية الجديدة للفيتناميين او ما يعرف بالتات، والذي يحتفلون به مطلع كل فبراير شباط. 70 الف جندي فيتنامي قرروا اكتساح الجنوب وقائمه اهدافهم كانت 90 قرية ومدينة ونقطة حساسة وقيادة عسكرية وحتى سفارة الامريكيين. الهجوم نفذ وقتل من الفيتناميين الكثير وسيطروا على ما ارادوا لمدة يومين فقط، فامريكا نجحت بصدهم لكن بعد ماذا، بعد ان خلط هذا الهجوم جميع الاوراق.

هجوم الانفاق

تبين للامريكيين بوضوح ان النصر على هؤلاء لن ياتي خاصة مع امتلاك الثوار افضلية كوشي وهذه الكوشي هي التسميه التي التي اطلقت على انفاق فيتنام والتي كانوا قد حفروها ابان مقاومتهم للاستعمار الفرنسي ولاحقا الياباني وكانت عبارة عن شبكة من الانفاق تغطي مساحات عديده اسفل الاراضي الفيتنامية. فيها كان يعيش الجنود وكانوا يتخذون منها مقرا لقيادتهم، وفيها مستودعات ومؤن ومطابخ بل وصالات ترفيه.

هذه الكوشي سعت امريكا لتدميرها باستخدام كل ما لديها من تكنولوجيا وافكار وقوة لكن عبثا كانت محاولات الامريكيين. كما كان يجول في خاطر الامريكيين ان هؤلاء الثوار هم اصحاب الارض ما فوقها وتحتها ايضا وهم ادرى بشعابها. لذا بعد هذا الهجوم تحديدا اجبر الامريكيون مرغمين على اجراء مفاوضات مضنية مع الشماليين في باريس. وكانت مفاوضات علنية قدموا فيها بعض التنازلات لكن كانت اجابه الشماليين دائما لا.

المظاهرات في امريكا

لا وقف للحرب ولا تسليم ولا سلام الا بالانسحاب الكامل لامريكا وقواتها وحتى وقت المفاوضات كانت الهجمات الامريكية لا تتوقف بل تشتد ضراوة. ومثلها هجمات الثوار، حتى وصل للحكم في واشنطن رئيس جديد هو ريتشارد نيكسون عام 1969. وهذا الرجل اعلن عن سياسه جديده عرفت باسم الفتنمة. وتقوم على جعل الفيتناميين هم من يقاتلون بعضهم البعض. وبدا يقلل من عدد الامريكيين المقاتلين في فيتنام لكن المظاهرات في امريكا اشتعلت ووصلت حد اطلاق الشرطة الامريكية النار على المتظاهرين الغاضبين وسقط عدد من القتلى في المظاهرات.

امريكا باتت تعيش كابوسا كل ما تتمناه ان ينتهي لكن خياراتها صعبه فهي اما ان تظل تقاتل وتتكبد الخسائر واما ان تعلن هزيمتها وانسحابها من فيتنام خياران احلاهما مر. لكن كان عليها ان تختار.

الخساره والثمن

بحلول العام 1973 كانت الولايات المتحده قد استنفذت كل الحلول التفاوضية والعسكرية مع الفيتناميين. وكانت ايضا قد حسمت قرارها في الاختيار بين المر والعلقم وقررت ان تتجرع الكاس الاقل مرارة وهو الهزيمة، مع وقف اطلاق النار والانسحاب من اراضي الفيتناميين الذين ظلوا يتقاتلون عامين بعد الانسحاب الامريكي، حتى استتب الأمر للشيوعيين بالكامل وأعادوا توحيد بلادهم.

في حين ظل للامريكيين التعلم من درس فيتنام ومعاينة الخسائر، ونحن سنخبركم ببعضها لكن بعد عرض الثمن الذي دفعه الفيتناميون لنيل استقلالهم. فقد خسر اصحاب الارض قرابه ثلاثه ملايين قتيل بين عسكري ومدني. وهذه الارقام المعلنه والمعترف بها رسميا فقط، حيث تقول ارقام اخرى ان مجموع ما سقط من الفيتناميين لا يمكن ان يقل عن خمسه ملايين. هذا بخلاف الجرحى الذين وصل عددهم للضعف. علاوة على اكثر من 12 مليون لاجئ وبلاد شبه مدمرة بالكامل.

الخسائر الأمريكية

الثمن كان قاسيا وكبيرا لكن لم يكن على الفيتناميين وحدهم فاليكم خسائر بلاد العم سام، حيث اعترف الامريكيون بقرابه 60 الف قتيل منهم وباكثر من 150 الف جريح ومصاب جسديا. لكن الصادم للامريكيين المصابون نفسيا والذين انتحروا لاحقا ووصل عددهم للالاف. هذا بالاضافه الى فرار اكثر من 50 الف امريكي من الخدمة العسكرية، ورفض عشرات الالاف منهم الذهاب الى فيتنام. هذا فضلا عن خسائر مادية قدرت بقرابه ما يعادل في زمننا الحاضر بتريليون ونصف تريليون دولار.

ولن ننسى ذكر الخسارة الاكبر لامريكا وهي هيبتها وقوتها التي روجت انها لا تكسر. والحق يقال فقد كانت هزيمه الامريكيين في فيتنام بروفا عن الجحيم وحدثا لن ينسوه وسيظل عالقا باذهانهم الى الابد.

أصحاب الارض

مع كل معركه تجري في الزمن الحاضر بين باغ ومقاوم دائما ما يستحضر الجميع درس فيتنام وكيف للضعيف ان ينتصر على القوي في حال كان صاحب الحق وصاحب الارض. فقط، كل ما يلزم كان هو الصمود وعدم الاستسلام والقدره على تحمل الضربات والالام حتى تحقيق النصر وهذا الدرس تحديدا دائما يخرج للعلن فيما يجري من احداث وتحديدا في غزة.

قصف غزة

حيث القطاع الذي لا توفر اسرائيل بطشا فيه ولا قوة لضربه واخضاعه لكنه دائما يرفض ان يموت. تماما كما رفض الفيتناميون الركوع واجبروا اعدائهم على تجرع كاس الهزيمة المذله بالصبر والصمود والمقاومة. لكن وايضا بحسن التدبير والتحالفات والتخطيط فما كان للفيتناميين النصر والمقاومه لولا الدعم السوفيتي والصيني ولولا انهم احسنوا اختيار التوقيت والحليف وهذه امور بمثابة العامل الحاسم، بالاضافه لما ذكرنا من الصبر والصمود فمصير المحتل والغاز دائما الهزيمه ولو بعد حين.

المصدر: مسقط برس

→ السابق

معسكر النقب – وفاة مئات الأسرى الفلسطينيين واحتجاز 1000 اخرين

التالي ←

اسرائيل تتعرض لموجة جديدة من الضغوطات الدولية لوقف اطلاق النار في قطاع غزة

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة