إن مراسم الحج العظيمة من أهم أحداث العالم الإسلامي، حيث إننا اذا نظرنا بدقة إلى هذا الواجب الإلهي المقدس، فإننا سنفهم بكل وضوح أن الكعبة تجمعنا في أسمى مظاهر الوحدة والتلاحم والتآخي في الأمة الإسلامية.
كما تظهر دراسات المجتمعات البشرية أن أحد أهم عوامل نهضة الأمم وتطورها هو وحدتها وتضامنها، لهذا نرى أن أولوية أساس التعاليم الإسلامية تكمن في الوحدة بين المسلمين بغض النظر عن التنوع العرقي والقومي.
ولطالما كانت هذه الوحدة تعد تهديدا كبيرا لأعداء الإسلام والأمة الإسلامية، لهذا السبب كنا دائما نلاحظ سعي الأعداء إلى خلق العداوات والانقسامات بين المسلمين، بالتالي نستطيع القول أن الانقسام بين المسلمين يعتبر أكثر خطورة من الخلافات المذهبية.
في سورة آل عمران، الآية 103 حيث اعتبر الله تعالى أن الفرقة بين المسلمين مثل حفرة من نار فيقول: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
ويعتبر الحج من أهم الوسائل التي تساعد في تحقيق الوحدة الإسلامية، فهو يجعل المسلمين يجتمعون في وقت واحد ومكان واحد بمختلف جنسياتهم، ألوانهم ولغاتهم المختلفة يطوفون في بيت الله الحرام متجنبين الفرقة والانفصال.
الكعبة تجمعنا وتعزز وحدة المسلمين كما أن لديها العديد من الميزات العظيمة، نذكر بعضا من فضائلها فيما يلي:
الكعبة تجمعنا وتزيد من توطيد الأخوة
إن من أهم فوائد الحج أنه يحل الخلافات المذهبية ويخلق جو من التفاهم والتآخي بين المسلمين، كل المسلمين المقتدرين ماديا يتجمعون حول الكعبة ويمدوا يد الوحدة والأخوة لبعضهم البعض كما إنهم يسعون لحل مشاكل بعضهم البعض،
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ الآية 10 من سورة الحجرات، جميع المؤمنين أخوة سواء أكان بينهم خلاف أم لم يكن، اذاً فُرض عليكم السعي لإصلاح خلاف إخوانكم المتخاصمين، ثم أُمرنا بتقوى الله حتى تجوز علينا الرحمة الإلهية.
الكعبة تجمعنا حيث تزيد من معرفتنا ببعضنا البعض
من أهم عوامل الخلاف بين المسلمين هو قلة الألفة والمعرفة بينهم، حيث يقول الإمام جعفر الصادق (ع): “في الحج وفر الله لأهل الشرق والغرب طريقاً ليتعارفوا ويفهموا بعضهم بعضاً”. ففي الحج ينادي جميع المسلمين بمختلف مذاهبهم ومن جميع أنحاء الأرض لبيك يا الله، ويأدون مناسك الحج إلى جانب بعضهم البعض، هذا التقارب يجعلهم على دراية بثقافة وأفكار بعضهم البعض مما يخلق الألفة والمحبة بينهم.
وحدة الكلمة والاعتقاد
جميع المسلمين يؤمنون بإله واحد ويعبدونه، ويؤمنون بكتاب القرآن ، وبالنبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ويتبعونه، ويصلون في اتجاه القبلة نفسها. هذا النوع من الوحدة يجعل الأمة الإسلامية بالتأكيد أكثر آلفة والقلوب أكثر تقارباً.
وفي الإشارة إلى هذه المسألة، في خطبة حجة الوداع الشهيرة، قال نبي الإسلام الكريم: “يا أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لإمرء مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه”. ميثاق أصغرهم مثل ميثاق عموم المسلمين ، فهم جميعا معا تحت حكم يد واحدة وقوة واحدة ضد الغرباء . »
أمن وأمان الحجاج في الكعبة
ومن الأمور التي يجب على الحجاج مراعاتها في الحج أنه لا يحق لأحد الاعتداء على الآخرين، حتى على الحيوانات .
“وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِیمَ وَ إِسْمَاعِیلَ أَنْ طَهِّرَا بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَ الْعَاکِفِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ. وتذكروا عندما جعلنا الكعبة مكان عودة وبيتا آمن للناس”. (الآية 125 من سورة البقرة)
المساواة الاجتماعية
نقطة أخرى ملحوظة في هذا الحدث العظيم هي أن حياة معظم الحجاج قريبة من بعضهم البعض، وملابسهم متشابهة، والأماكن والأطعمة متشابهة. تلغى السيادة والمكانة الاجتماعية والثروة، ومعيار التفوق الوحيد هو التقوى، وهذا دليل على المساواة الاجتماعية في الحج .
قال سيدنا محمد (ص) في خطبة الوداع: “أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى . »
آملين أن يكون الحج في كل عام فرصة للناس لتذكر نصيحة الرسول الأعظم، وعدم السير في طريق الانفصال والفرقة، والتصافح والتسامح والصداقة والأخوة.
